تكتب إيمان سالم أن مصر تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير في نوفمبر، في حدث تصفه الحكومة بأنه "أهم إنجاز ثقافي في العقد الحالي". ومع ذلك، يتجاوز الافتتاح الاحتفاء بالحضارة إلى عرضٍ سياسي واقتصادي واسع، إذ تتصدر مؤسسات كبرى – مثل مجموعة طلعت مصطفى ومجموعة منصور وبنك مصر الوطني – المشهد كشركاء رئيسيين في المشروع، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تشهد تضخماً غير مسبوق وارتفاعاً حاداً في أسعار الوقود والمعيشة.
ووفقاً لتقرير ناشيونال لاو ريفيو، يتعامل الافتتاح بوصفه إعلاناً عن "نهضة وطنية"، لكن خلف الخطاب الرسمي تبرز صورة أخرى لمجتمع يعاني تآكل القوة الشرائية وضغط الديون واحتكار القرار الثقافي في أيدي نخبة سياسية واقتصادية محدودة. ورغم ما يصفه رجال الأعمال المشاركون بأنه "إنجاز حضاري تاريخي"، يرى مراقبون أن المشروع جزء من استراتيجية الدولة لتثبيت حضورها عبر رموز القوة القديمة – الأهرامات، الفراعنة، المتاحف – لتجميل وجه نظام يغلب عليه القمع ويضيق بالنقد.
يقول هشام طلعت مصطفى، الرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت مصطفى، إن الشراكة في افتتاح المتحف "تعيد تقديم مصر للعالم في صورة مبهرة"، بينما يصف السير محمد منصور، رئيس مجموعة منصور، الافتتاح بأنه "تحول جذري في صناعة السياحة المصرية". أما أحمد عز، رئيس مجلس إدارة حديد عز، فيفخر باستخدام حديد شركته في بناء المتحف، ويرى فيه "جسراً يربط سبعة آلاف عام من التراث بمستقبل مشرق".
ويشير حسن علام، الرئيس التنفيذي لمجموعة حسن علام القابضة، إلى أن شركته تدير المتحف ضمن شراكة بين القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن المشروع "يمثل فصلاً جديداً في مسيرة مصر نحو المستقبل". وتتباهى المجموعة بتاريخها الممتد منذ تسعين عاماً في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، رغم الانتقادات المتزايدة لاحتكارها العقود الحكومية الكبرى وسط غياب الشفافية وتراجع فرص الشركات الصغيرة.
من جانبه، يوضح محمد الأتربي، رئيس البنك الأهلي المصري، أن البنك "يفخر بدوره في دعم المشروع"، مشيراً إلى موقعه كأقدم مؤسسة مالية في البلاد و"ركيزة للاقتصاد الوطني". غير أن الواقع المالي يروي قصة أخرى: البنوك تواجه ضغطاً هائلاً من انهيار الجنيه وتراجع الاحتياطي النقدي، فيما تتزايد معاناة المواطنين مع ارتفاع الأسعار وتقلص الدخول.
ويصف خالد عباس، رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، المتحف بأنه "بوابة عظيمة تلتقي فيها روح مصر القديمة مع مستقبلها الجريء"، مؤكداً أن الافتتاح يمثل "إعلاناً عن عظمة مصر الدائمة واندماجاً بين الإرث والتقدم". لكن عبارة "العظمة الدائمة" في الخطاب الرسمي تصطدم بواقع سياسي تقيَّد فيه حرية التعبير، وتُمنع فيه الفعاليات الثقافية المستقلة، ويُساق المثقفون إلى الصمت أو المنفى.
على المستوى الاقتصادي، يرى محللون أن مشروع المتحف يعكس توجه الحكومة نحو الاعتماد المتزايد على تحالف المال والسلطة لتجميل صورتها أمام الخارج، بينما يتفاقم التضخم المحلي الذي تجاوز 30%، وتتضاعف كلفة النقل والطاقة، ما يجعل افتتاح المتحف الفخم على أطراف القاهرة مشهداً مفارقاً لواقع غالبية المصريين الذين يعانون أزمة معيشية غير مسبوقة.
في الجوهر، يقدّم المتحف المصري الكبير نفسه كجسر بين الماضي والحاضر، لكنه أيضاً مرآة تُظهر التناقض بين خطاب الدولة حول "الإلهام والخلود" وحياة المواطنين التي تضيق تحت وطأة الأسعار والقروض والقوانين المقيدة للحريات. فبينما يُعرض الذهب الفرعوني في أبهى القاعات، يتراجع الذهب الحقيقي – أي القدرة على العيش بكرامة – عن أيدي كثيرين.
افتتاح المتحف لا يمثل فقط حدثاً ثقافياً، بل رسالة سياسية تقول للعالم إن السلطة لا تزال قادرة على إنتاج الرموز الكبرى وترويض التاريخ في خدمة صورتها. لكن التاريخ، مثل الآثار، لا يُعاد تشكيله بسهولة. هو يظل شاهداً على أن المجد الحقيقي لا يُبنى من الحجر وحده، بل من العدل والحرية والخبز الذي يصل إلى كل بيت.
https://natlawreview.com/press-releases/egypt-open-grand-egyptian-museum-strong-national-partnerships

